حزب الأرسيدي ينشر مشروعه المصادق عليه في المؤتمر الخامس

نشر حزب التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية “مشروع الأرسيدي” المصادق عليه في المؤتمر الخامس يوم 09و10 فيفري
5 الثقافة و التربية و الذي تضمن عدة مجالات ، و تطرق إلى مختلف مواقف الحزب و رؤيته للمشروع السياسي المستقبلي، و جاء البيان في النص التالي:
في قطاع التربية :
بعد
خمسين سنة من الاستقلال، لا يزال من الصعب النقاش حول المدرسة الجزائرية، برزانة
ووعي. على الرغم من خطابات المسؤولين الانتصارية، إن المدرسة هي مصدر الأخطار التي
ترهن مستقبل الجزائر كأمة وكدولة وكمجتمع. ولا تزال الرؤى المستقبلية مرهونة
بالصراعات السياسية. فالتعريب، على سبيل المثال، لم يوظف إلا كإستراتيجية
للاستيلاء على السلطة من قبل أقلية.
إن المدرسة هي الضحية الأولى للإرهاب الفكري. طمس الإرث الثقافي
وازدراء العقلانية، ورفض العالمية أدى بالمنظومة التربوية إلى المأزق الحالي.
النتيجة معروفة. انهار مستوى كل المؤسسة التعليمية والجامعية. ومقارنة بالمعايير العالمية، صنف المنظومة التربوية الجزائرية في المرتبة الـ69 من أصل 70 بلد في العالم،وفق تصنيف “بيزا 2015”. وأول جامعة جزائرية تحتل المركز الـ2341 وفق تقييم “ويبومتريكس 2017”.
العجز صارخ: فشل وتسيب مدرسي مرعب، استهلاك ميزانيات ضخمة، مقررات مدرسية عفا عليها الزمن، جمود بيروقراطي، غياب أي استشراف للمستقبل …
من مجموع 100 تلميذ في السنة الأولى، 7 فقط منهم يدخلون الجامعة. أكثر من نصف التلاميذ يخرجون من التعليم الثانوي دون شهادة، بينما يقارب حجم الإقصاء المدرسي 400 ألف تلميذ سنوياً.
بعد محاولة الإصلاح في مطلع سنوات 2000، سرعان ما عادت المدرسة الجزائرية لتتداركها ثوابت إيديولوجية وطنية المظهر، في حين إن أبناء الحكّام في مأمن وهم يزاولون دراستهم في الخارج أو في المدارس الخاصة.
الإصلاحات التي أجريت كان الهدف منها تغيير في الشكل وفي أساليب التدريس، ولم تمس المضامين وتأهيل المعارف ووضعها على المستوى العالمي.
أمام هذا الإخفاق العام، تحاول وزارة التربية الوطنية أن تدخل في بعض البرامج جرعة من العقلانية. إن غياب صوت سياسي قوي للتعبير عن الرغبة في إخراج المدرسة من الأيديولوجيات الرجعية وقوة جماعات الضغط المحافظة يعيق أقوى الإرادات الفردية.
إن مستقبل الجزائر ومستقبل أبنائنا، والمصالح العليا للأمة تتطلب تكوينا قادراً على الدخول في التنافس الدولي.
إن الخطوط العريضة لرؤية التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية من أجل منظومة تربوية سليمة ومطهّرة من الإيديولوجية الظلامية والرجعية معروفة عند الجميع. وبعد وضع هذا الإطار، يُفترض أن بقية الإصلاحات تكون من مسؤولية الأسرة التربية وحدها. كل هذا يتطلب شجاعة سياسية، وجهدا وطنيا يشبّهه الخبراء بمخطط مارشال. على صعيد آخر، ينبغي أن يشمل إصلاح المنظومة التربوية جميع الأطوار الابتدائية والثانوية والمهنية والجامعية، ويجب أن يتم وفق مقاربة منهجية لضمان أقصى فرص النجاح له.
وعلينا في نفس الوقت بإصلاح مضمون المقررات المدرسية ومناهج التدريس والتقييم، وتوظيف وتكوين المعلمين والمؤطرين التربويين والإداريين، وكذا ظروف عمل الموظفين والتلاميذ.
غايتنا في هذا النطاق هي:
* بناء مجتمع ديمقراطي قادر على تكوين الإنسان المواطن للحفاظ على ثقافته والانفتاح على العالم بتبني القيم العالمية.
* تكوين المهارات الكفيلة بتثمين الإمكانات الجزائرية في سياق عالمي.
* يجب
أن تكون المدارس والجامعات مراكز إشعاع تكوّن إطارات ومهندسي الغد، مجتمعاً لديه
من الاكتفاء الذاتي ما يقي شبابه من الهجرة إلى الخارج. ويتعين على المنظومة
التعليمية أن تعمل إلى إدماج الكفاءات الوطنية المتواجدة بالخارج من أجل سد العجز
في بعض التخصصات.
نقترح:
*تدريس وترقية لغاتنا الرسمية، واستعمال اللغة الفرنسية لتعليم العلوم والرياضيات والتكنولوجيا، والتفكير في اعتماد ثلاث لغات في المستقبل في جميع أطوار التعليم. وهذا معمول به في كثير من الأقطار، بما في ذلك العالم العربي، ويسمح بأفضل تنسيق مع الجامعة حيث يتم تدريس العلوم الدقيقة والطبية وحتى العلوم الإنسانية سواء بالفرنسية بالنسبة للمغرب وتونس، أو باللغة الإنجليزية بالنسبة لبعض البلدان في الشرق الأوسط.
* تحرير المدرسة من الإيديولوجيات لكي تتفرغ لترقية التربية المدنية، والعقلانية، وروح التحليل، وقيم التسامح وتبادل الأفكار ونضال الشعوب من أجل تطورها. كما يجب إدراج مادة الديمقراطية وحقوق الإنسان في التعليم. ويعتبر تدريس حقوق الإنسان نقطة الانطلاق الأكثر تحفيزاً لإقامة العلاقة بين المجتمع والفرد والمؤسسات.
* إلغاء
القانون الصادر في 23 جانفي 2008 الذي ينص على “الأحكام الأساسية التي تحكم
المنظومة التربوية الوطنية” و”المبادئ الأساسية للتربية الوطنية”،
التي تجعل اللغة الأمازيغية اختيارية وتعطي الأولوية للغة العربية.
* وقف
التلاعب بالتاريخ وتدريسه بعيداً عن الأهواء كأداة لتكوين الوعي الوطني.
* إعادة الاعتبار للمدارس الكبرى وتمكينها من تكوين نخب علمية، منفتحة ديمقراطيا وفق المعايير البيداغوجية لأنجب الطلاب.
* السماح لرأس المال الخاص بالاستثمار أيضا في نشر الثقافة، والنشر وإصدار الكتب المدرسية والجامعية. والاعتراف بالمدرسة الخاصة على أن تحدد مضامينها طبقا للقيم والشروط التي حددت في صياغة المؤسسة العمومية.
* يجب إعادة النظر في مكانة المعلم، في جميع الأطوار، والسهر على التحسين المستمر لمستواه البيداغوجي والتقني. إن الأوضاع الاجتماعية والمعنوية والفكرية المزرية التي يعيشها سلك التعليم ليست غريبة عن تدني مستوى التعليم.
* مزيدا من الاهتمام بالمشاكل التي تعيشها فئة المعوقين من قبل السلطات العمومية من حيث الرعاية والتعليم..
* إقرار إجبارية التعليم ابتداء من سن الخامسة. يخصص عام دراسي كاملا لتعلم اللغات ومبادئ الحساب. هذا الإجراء يسمح لمعلّمي المدارس ببدء البرامج التعليمية مع تلاميذ يكونون قد تلقوا المبادء اللغوية الأساسية التي يتيسر فيما بعد صقلها وتطويرها أثناء الفترة الدراسية. يُدخل الكثير من الأولياء أبناءهم إلى الطور ما قبل المدرسي أو إلى المدرسة في سن الخامسة، سواء بحكم عملهم في سلك التعليم أو ببساطة لأن لديهم القدرة على التدخل لصالح ذريتهم لدى الإدارة. فإذن هذا الإجراء يضمن أيضا تكافؤ الفرص.
*إدراج التكوين المهني في وزارة التربية الوطنية بحيث لا يترك أي تلميذ مقاعد الدراسة قبل أن يتعلم حرفة أو يحصل على مؤهلات تسمح له بمتابعة دراسات جامعية. كما أن هناك ضرورة ملحة لوضع هذا القطاع في مستوى المؤهلات التي يتطلبها اقتصاد السوق، وتوجيهه وفق متطلبات القطاع الإنتاجي والتشغيل. كما ينبغي رد الاعتبار للحرف اليدوية.
*المطالبة بزيادة في ميزانية التكوين المهني لا تقل عن 15٪ من الناتج الداخلي الإجمالي، وتحمل التكاليف إلى مستوى ما هو معمول به دولياً.
* اللجوء
إلى التعاون الدولي في المجالات غير المتحكم فيها بصفة كافية.
يجب إبعاد الجامعة من جميع أشكال التسلط الإيديولوجي سواء من
السلطة أو من غيرها من التيارات السياسية، وتمكينها من التسيير الذاتي، ونشر الفكر
النقدي وتوفير تعليم يتماشى والتحولات التكنولوجية وإعادة الاعتبار للعلوم
الاجتماعية والإنسانية.
يجب تكريس البحث العلمي، والتي بدونها لا يمكن كسب معركة التنمية، بإتاحة الإمكانيات البشرية والمادية اللازمة لتحقيق التنمية، سواء في المؤسسات أو في الجامعات، وذلك بإدماجه في ما بعد التدرج. لا ينبغي أن ينظر إلى البحوث الأساسية باعتبارها ترفا بل كشرط للتنمية الوطنية.
ينبغي إنشاء نظام منح في التعليم العالي يأخذ في الاعتبار دخل الأولياء. لا يوجد مبرر لتوزيع منح دراسية بائسة على الطلبة المنحدرين من عائلات معوزة، ووضعهم على قدم المساواة مع الطلبة الذين تنفق عائلاتهم هذا المبلغ يوميا. يولى اهتمام خاص بهذا الإجراء الذي يندرج ضمن الرؤية الخاصة بالمساعدات المقررة لقطاع التعليم ويدرج ضمن الأولويات.
في قطاع الثقافة:
في
مجال الثقافة، عانت الجزائر من كل شيء: القمع، والحرمان والإقصاء وإنكار الذات.
وأضيفت، لعملية التثاقف التي قام بها المحتل، بعد الاستقلال مشروع استلاب الشخصية
أكثر تنظيما. فكانت “الثورة الثقافية” نموذجاً للاستلاب الأيديولوجي وتشويه الهوية
وتزوير التاريخ.
فهكذا دأب دعاة الإيديولوجية العربية الإسلاماوية الأكثر طائفية
وشعبوية، على طمس التاريخ ومحو أجزاء من الثقافة الاجتماعية برمتها كانت في زمن
ماضي، بمثابة اسمنت وأداة للمقاومة ضد كل أصناف الاحتلال.
فلقد
فرضت السلطة السياسية “الأحادية” على حساب التنوع الثقافي؛ أولها الأحادية
الأيديولوجية التي صهرت فيما بعد كل الأخريات، ومنها التعليب الثقافي كما أريد له
أن يكون.
لقد حرمت التحولات التي أجريت باسم هذه الإيديولوجية المقيّدة
وباسم اشتراكية تغلب عليها العشوائية، حرمت الجزائر من تراثها التاريخي ومن هويتها
ولغاتها، وقدرتها على التكيف وعلى الابتكار، ومن فرصها المتعددة، أي باختصار من
عبقريتها الذاتية.
وكانت الأضرار جسيمة بمستوى الوسائل المسخرة في المدرسة ووسائل الإعلام العمومية (الإذاعة والتلفزيون والصحف…) ومصادرة المسجد من طرف الحزب الواحد والإدارة خدمة للنظام، وتوظيف وسائل الاتصال الجماهيري للترويج لثقافة موجهة وصهر الأدمغة. فقد أفقد عمل السلطة السياسية البلاد أهم مقوماته: روحه وعبقريته الذاتية.
وإنه ليس بإسماع النشيد الوطني كل صباح في المدارس، وبرفع العلم، نعلم الشباب الجزائريين حب الوطن وأن يكونوا مواطنين ويعرفوا من هم! وإنه ليس بوسع الفجوة بين وهم الخرافة الإديولوجية ، وصدى الجذور أن تستوعب الشبيبة التي تريد قبل كل شيء أن تعيش عصرها دون الانفصال عن بيئتها.
لقد تعرضت الكيانات الثقافية والمعنوية لتشويه بليغ. فجاء العنف ليحل محل القيم لاجتماعية العريقة المبنية على التضامن والحوار والإنصاف والحرية في الشمال وفي الجنوب، وعلى كل مستويات المجتمع، ليصبح وسيلة التعبير الوحيدة. هذا لأن القائمين على مصيرنا عقموا كل الطاقات الخلاقة وأضعفوا أي نوع من الاقتراحات البناءة.
شبابنا عقموا منذ المرحلة الابتدائية. أغلق عليهم في لغة واحدة واقتصت أحلامهم عند الولادة، وحضروا لمستقبل تجمد في الخرافات، ولحياة الاستكانة وثم للعجز النهائي.
قطعوا من منابع المعرفة الحقيقية، ليسلموا لمختبرات فرانكشتاين من كل الأصناف، مفصولين عن البعد العالمي للإنسان والثقافة، وأصبح كثير من هؤلاء الشباب دون إرادة أو قدرة على التفكير النقدي، ودجنّوا بشكل لم نقدر بعد عواقبه الوخيمة. وآخرون اختاروا ركوب الخطوب إلى بقاع أخرى سرابية، هروباً من الفقر واليأس، متحدين الموت والقهر.
فلكي تتمكن الجزائر من استعادة طريق التقدم، لابد من تحرير المواطن وترقية الثقافة وإحياء قطاع الثقافة في كل جوانبها. ولكن ليس بالفلكلور الذي يلتهم أموالا طائلة في مهرجانات وفعاليات ديماغوجية مثل “المهرجان الإفريقي للرقص…”، “الجزائر، عاصمة الثقافة العربية” أو “تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية “، وغيرها.
إن
التماسك الوطني يمر حتما عبر فعلية الاعتراف بالأمازيغية التي تعتبر مؤشرا وغاية
ديمقراطية في آن واحد، تؤذن بنهاية تزييف التاريخ ونكران الهوية الثاقافية للبلد.
يجب الكف عن النظر إلى التراث الثقافي بأنه يشكل تهديدا. بل يجب أن يعود إلى
وظيفته الأساسية مصدر للتاريخ والذاكرة والهوية. إن جهل المرجعيات التاريخية
ودواعي الفخر الحقيقية للمجتمع هو الذي أفقد الشباب الجزائري جذوره، حتى أصبحوا
يقلدون غيرهم تقليداً أعمى، وأصبحوا ضحية أكبر الآفات وأكثرها فتكا بالإنسان :
كراهية الذات. إن تكريس يناير، وإن جاء متأخرا، يجب أن يتبع باسترجاع حقيقي
لتاريخنا الذي يعود إلى آلاف السنين.
وعليه، يجب على الدولة :
* وضع خطة جريئة لتطوير الهياكل الثقافية لتعويض العجز الهائل المتراكم منذ الاستقلال في المرافق السينمائية والمسرحية وقاعات الحفلات الموسيقية والمكتبات والمعاهد الموسيقية، وما إلى ذلك …،
* رفع
احتكار وسائل الإنتاج ونشر الثقافة والإعلام،
• تشجيع حرية التعبير والنقاش العام ورفع كل القيود على الإنتاج
الثقافي،
* إعادة النظر في سياسة الكتاب بدعم من السلطات العمومية. وينبغي إعفاء صنعها واستيرادها من كل الضرائب. ويجب مساعدة الكتاب الشباب في النشر والتوزيع،
* إقرار
الأدوات التعليمية كمواد أساسية،
* تشجيع
البحوث في مجال الثقافة والفن والتاريخ، والتحرر من كل أشكال الرقابة وسيطرة
الدولة،
* إعادة تأهيل ودعم الإنتاج المسرحي والسينمائي في المناطق وعلى المستوى الوطني، في اللغات الجزائرية،
* تشجيع الجمعيات الثقافية،
* تفعيل نشاط المتاحف وتثمين المواقع الأثرية لإخراجها من سباتها وتحويلها إلى أماكن لنشر وتعميم المعرفة والثقافة والتاريخ،
* استعادة وحماية التراث الوطني الأثري والمعماري داخل وخارج البلاد،
* ترقية التراث غير المادي الوطني والمعارف والفنون الشعبية،
* إعادة الاعتبار للتاريخ في إطار مدرسة مجددة وموّجهة للمعرفة والانفتاح، والعقلانية، وتنمية التفكير النقدي.
يعتبر الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية، إلى جانب اللغة العربية، بمثابة خطوة إلى الأمام، من شأنها أن تساهم في رفع الحواجز التي تعيق قيام ديناميكية حقيقية للتنمية، وفي تركيز الطاقات الوطنية على العمل وتعبئة شعبنا في بناء اقتصاد مزدهر. إلا أن الصياغة الواردة في الدستور على هذا النحو: “تمازيغت هي كذلك لغة وطنية ورسمية”، تبدو منذ البداية عملية مشبوهة. لذلك ينبغي حماية اللغة الأمازيغية من شتى محاولات التهميش السياسي أو القانوني. ففضلا عن اعتبارها أداة للتواصل الاجتماعي، يتعين أيضا استعمالها من طرف السلطات العمومية في تعاملها مع رعايا الدولة الوطنية فينبغي أن تنتقل من وضعها كلغة مدرّسة إلى لغة تدريس.
وعلى هذا الأساس، يسعى التجمع من الثقافة والديمقراطية إلى إصدار قانون عضوي يحدد سبل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية وشروط إدراجها في التعليم والإعلام والإدارة والمجالات ذات الأولوية في الحياة العامة والمؤسساتية من أجل تمكّينها من أداء وظيفتها الرسمية المخول لها دستوريا على المدى القريب.
كما يسعى التجمع لضمان تعليم اللغة والثقافة الأمازيغية للأطفال الجزائريين المقيمين في الخارج إلى جانب العربية، مما سيعكس التنوّع اللغوي والثقافي الثري الذي تزخر به بلادنا.
